سوريا وملفات لا بد أن تُغلق
سوريا وملفات لا بد أن تُغلق
انتهى الأسد وسقط نظامه، وأحمد الشرع استقر في قصر الشعب بالعاصمة السورية دمشق. كل ذلك تجاوزه السوريون الذين يتساءلون عن مستقبلهم: كيف سيكون؟ وعن نظامهم السياسي: كيف شكله؟ وعن الحريات إلى أي سقف ومدى ستصل؟ وعن مخططات التقسيم بماذا ستواجه؟ والخارج وأنظاره ومصالحه في سوريا ودول الجوار على وجه التحديد، وأبواب العودة متى تُفتح أمام الملايين الذين شردتهم الحرب.
الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الآن ربما في الموقف الأكثر تعقيدًا إقليميًا، فعلى الساحة السورية لا تنتهي أزمة إلا بأخرى تحل محلها، حاملةً مع التشكيك والترقب طرحَ سؤال: إلى أي مدى يتقن الرجال الذين أسقطوا بالسلاح بشار الأسد في 11 يومًا ممارسة السياسة؟
ولا يمكن النظر بعين التفاؤل الكامل إلى الوضع في سوريا، الذي أوشك في مرات عدة على الانفجار مرة في الساحل، ومرات في السويداء، وفي جميعها كانت هناك تساؤلات حول قدرات السلطة الحالية والإدارة الجديدة في التعامل مع تلك الأزمات، وبالقطع كانت هناك إخفاقات فاقمت من تأزم تلك الأزمات.
من الخطأ أن تتصور الإدارة السورية أن لديها شيكًا مفتوحًا من السوريين، وأن المساءلة عن مدى قدرتها في مواجهة التحديات الحالية والملفات التي لم تُغلق إلى الآن وهي أكثر ما يشغل السوريين ستكون بعيدة.
يجب أن يبدأ غلق الملفات من السويداء، وتفويت الفرصة على أي طرف خارجي في استغلال تلك الأحداث وإقصاء الدروز عن وطنهم، وكذلك محافظات الجنوب المحاذية لحدود الأردن والتي حاولت إسرائيل أن تحولها إلى مناطق لا مركزية وتدعم تأسيس إدارات حكم محلية فيها.. يجب ألّا ترفض الحكومة السورية الحوار مع المكونات في تلك المدن، وألّا تقبل أيضًا بأن تكون بعيدة عن إدارتها، فلا أحد يدعم تكرار سيناريوهات أكثر من سلاح في بلد واحد.
وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على الملف الكردي، حيث تجمد الحوار بين الحكومة وبين الطرف الآخر، في نطاق خلاف أوسع بين الدول المعنية بهذا الملف: تركيا والولايات المتحدة وفرنسا. وليس من المستحيل التوصل إلى صيغة توافق بين دمشق والأكراد، وتفاهمات لا تقود إلى لا مركزية قد تكون هي الخطر الحقيقي بعد سنوات مع تغيّر الإدارات والقيادات، وتحقيق مخطط تقسيم سوريا ولكن على مدى زمني أطول.
ومن الملفات التي يجب أن تُغلق أيضًا محاولات عزل الساحل السوري أو تهميشه، فسوريا الجديدة لا تُبنى على حقد قديم أو كراهية قادمة، مضى الأسد ومضت أيامه، ولن يغيّر سوريا إلا السوريون المتطلعون إلى قادم أفضل ومستقبل يجمعهم، يتشاركون فيه في وطن يحفظ ويحمي كرامة الجميع.
وتحتاج الإدارة السورية أيضًا إلى صياغة ميثاق يحرّم أي جماعة إسلام سياسي متشددة كانت تحارب إلى جوارها في زمن الحرب، من محاولة فرض أي تفسير متشدد للدين أو أن تفرض نمطًا متشددًا على السوريين.
لا بد أن تنتهي وتُغلق جميع الملفات، وتبدأ سوريا بكل مكوناتها وأطيافها معركتها الكبرى لإعادة الإعمار، وإنهاء ما تبقى من دفاتر الماضي وما يحمله بداخله من جروح لم تستثنِ طيفًا أو مكونًا واحدًا منذ 2011 أو ما قبلها، وأن تبدأ في استقبال السوريين المشتتين في دول العالم ليسهموا في بناء مدنهم التي دمرتها الحرب.
وفي النهاية لن تقف سوريا وحدها ولن تُترك لتكون بمفردها، فاليوم جسور الدعم العربي لها لا تنقطع.. ولن تنقطع.